تمر الايام وتبقى بعض الملامح بين طيات الذكريات.. شخوص مروا في حياتنا، بعضهم أفل نجمه مع الزمن والبعض رافقنا رحلة الحياة والبعض الآخر بقى هناك في ذلك الجزء النائي من الذاكرة.
بين خطابات وقصاصات ورق قديمة جلست على ارضية الغرفة أقراها واحدة تلو الأخرى .. صندوق الذكريات الذي ما ان أفتحه حتى تنفتح معه مشاعر حزينة لا أدرك ماهيتها .. بطاقات اعياد الميلاد والتهنئة وبطاقات بريدية من بعض الاقارب و الاصدقاء… لم أدرك ان الزمن مر سراعا وأنني فقدت الكثير من الاصدقاء الا في هذه اللحظة .. ماذا حل بهؤلاء .. اين هم الآن وماذا فعل بهم الزمن؟
وبين ذكريات ايام الدراسة وجدت نفسي وجها لوجه مع رجاء …. زميلة المرحلة المتوسطة والثانوية ومنافستي اللدود في مادة الانشاء بخطها الأنيق واسلوبها المبدع .. تلك الفيلسوفة التي كانت تمزج بين الجد والهزل .. المضحك والمحزن بطريقة يصعب معها تكهن مشاعرها.
كنت أتنبأ لرجاء ان تصبح اديبة معروفة في يوم ما فقد كانت مخيلتها واسعة وفي نظرتها للحياة من الصدق والعمق ما يصعب عليك تجاهله .. في أحدى المرات كتبت موضوعا تسخر فيه من النفس البشرية ومن الفلاسفة وأعطتني هذه القصاصة التي أحتفظت بها طيلة السنوات التي مضت لأعيد قراءتها اليوم واتساءل ماذا حل برجاء وبالحياة التي كانت تسخر منها.
ولان سطورها مازالت سارية المفعول حتى وقتنا هذا فقد فكرت ان انشر اجزاء منها عله يأتي اليوم الذي تظهر فيه رجاء مرة أخرى وتقرأ ما خطه قلمها حينما كانت في الخامسة عشرة من العمر.
“مسكين انت ايها الانسان .. ينصحك ديكارت بالتفكير لاثبات وجودك في حين يريحك داروين من عناء التفكير ويقرر بأن الشجرة (شجرة العائلة) تنتهي بقرد ظريف يحب الموز ويقفز من غصن لآخر .. اما العلاقات التي تربطك بالآخرين كالصداقة والأمومة والمحبة فيجب ان تنساهما تماما لانها على رأي فرويد تنصهر جميعا في بوتقة الجنس .. ولكي نعرف انفسنا يجب ان نعرف اولا من جاء قبل الآخر .. البيضة ام الدجاجة.
مسكين أنت حقا! فلقد أصبح العالم صغيرا ولم يعد بامكانك شد الرحال لتمخر عباب البحر وتكتشف عالما جديدا آخر .. ومهما حدقت في ثمرة التفاح وهي تسقط من أمها الشجرة فلن تأتي بقانون جاذبية آخر جديد . محيطات العالم السبعة لم ترو ظمأك ومع ذلك تغرق في شبر ماء .. قطع الاراضي المترامية والاطيان لا تشبع طمعك ومع ذلك ترضى او لا ترضى بقبر بالكاد يتسع لجسمك النحيل.
ما رأيك في الجرى .. مفيد للصحة منشط للدورة الدموية .. بأمكانك ان ترتدى الملابس الرياضية وان تجرى وتلف حول السور .. تجاهل التعليقات الساخرة .. لا تلق بالا لضحكات اولاد الجيران.
هل عرفت فائدة الركض الآن؟ لو عرفها الناس لاستغنوا عن وسائل المواصلات .. لن تحدث اختناقات مرورية .. الناس يهرولون الى مكاتبهم .. تصور رجل الاعمال يرتدى ملابس الجرى .. يجري ويحمل حقيبته الدبلوماسية .. لو يعلم الناس فائدة الجرى لاصبحت رياضتهم المفضلة .. الأولى .. ولتحطمت الارقام القياسية الموجودة ولنسوا حمى كرة القدم وتخلوا عن التشجيع والتعصب الأعمى.
واصل الجرى .. فما زال المشوار طويلا .. انك تلف حول السور حلقة مفرغة . ولن تصل ابدا .. هناك نوعان من العلاقة التي تربطك بهذا السور .. قوة الجذب اليه وقوة الطرد المركزية .. هل نسيت العلوم؟؟ اثناء عملية الركض احمل جهاز صغير وثبت سماعاته على اذنيك .. ما اشبهك بجماعة الهيتش هايكرز في الغرب وهم يجرون وانت تجرى .. يستمعون الى الموسيقى وانت كذلك .. الفرق الوحيد انك تستمع الى محمد عبدالوهاب وهو يغني .. اجر .. اجر”.